أبي وأمي من السادة العلويين لكنهم غيرمتشددين أو ملتزمين في دينهم، فلم يأخذونا إلى المآتم والحسينيات ولم يعلمونا عقائدهم الشيعية فنشأنا معتمدين على ما كنا ندرسه في مناهجنا الدراسية السنية .. وكان العزاء في عاشوراء هو المناسبة الوحيدة التي كنا نذهب فيها لمشاهدة ما يفعله الشيعة وعمتي هي من كان يصطحبنا وليس والداي .. كانت مناسبة مقززة أشبه بفيلم رعب، مناظر وأصوات مخيفة لا تفارق ذاكرتي .. حينها لم أكن أعرف معنى هذه المناسبات أو لماذا يفعل هؤلاء الناس ما يفعلونه بأنفسهم؟
عندما كبرت قليلاً وفي سن التاسعة تقريباً خطر في بالي أول الأسئلة : أول شيئ تعلمته في المدرسة هو أن الله واحد لا شريك له .. وهو قريب يجيب دعوة الداعي .. قريب جداً .. أقرب من حبل الوريد .. فلماذا إذاً يدعو أهلي غيره .. ولماذا ينذرون النذور لغير الله .. ولماذا كلما قاموا أو قعدوا أو حملوا شيئا قالوا .. يا علي !!
قال لي والداي أنني علوية أي أن أمي وأبي سادة ووالدا أمي وأبي أيضا سادة وهكذا فكلهم سادة لم يتزوجوا أو يخلطوا نسلهم بعاميين ... في بعض الأحيان كانوا يأخذونا في رحل إلى جزيرة جميلة جداً ومليئة بأشجار النخيل وكنا نذهب مع باقي الصغار إلى البحر لنلعب وكان في الجزيرة مسجد يقال له مسجد
النبيه صالح ... كذلك سميت الجزيرة بإسمه .. في وسط المسجد قبر يتجه النساء إليه ويتمسحون به وينتزعون منه بعض قطع القماش الخضراء ..
أعطتني أمي في مرة قطعة صغيرة ولفتها حول معصمي ... لم أعلم حينها لماذا .. إحترت في أمر هذا القبر وسألت أمي عن صاحبه فقالت : رجل صالح يأتي الناس إليه للدعاء والنذر .. فهو لا يرد أحد ويعطي المراد ويشفع لنا ... واعتقدت من غبائي أنه قبر النبي صالح ... وبعدها عرفت بعد أن كبرت قليلا أنه شخص مختلف ورأيت أماكن ومساجد أخرى يكررون فيها تلك الطقوس ... تساءلت ...المشركين أيضا في الجاهلية صنعوا أصناماً للصالحين ليخلدوا ذكراهم ... ومن ثم عبدوا تلك الأصنام لتشفع لهم وتقربهم من الله ... فما الفرق بين الأثنين؟؟؟!
كانت تلك التساؤلات كافية لي للإبتعاد عن هذا الدين .... فهو ضد ما فطرت عليه من وحدانية الله !
التشيع في رأيي كالطعام الفاسد .. والمتسممين منه نوعان ، نوع أكل وتسمم ثم شفاه الله .. ونوع أكل حتى الشبع .. فمات مسموماً ... أسأل الله أن يشفي باق المتسممين !
في حالتي ..إرتبت من شكل هذا الطعام فلم أذقه .. وعندما رأيت الناس يتساقطون من حولي .. أدركت أني على صواب .. فالحمد لله على الفطرة السليمة ... رفضت الإعتقاد بهذا الدين من بداية حياتي ... ولم أهتم وقتها في مزيد من البحث فعشت بعيدة عن الدين علمتني أمي الصلاة .. وتركتني ولم تكن تحثني
عليها .. أو تعاقبني لتركها ..فلم أحافظ عليها ولا على صوم رمضان .. غفل والداي عن الناحية الدينية في تربيتنا ولم يغفلوا عن النواحي الأخرى رغم أن الدين هو الأساس فربونا على الأدب وحسن الخلق والعفة .. فلم نكن نخرج من البيت إلا قليلا حتى أن جيراننا لم يكونوا يعرفوننا .. بعدها وفي مرحلة
الإعدادية كبرت بعض التساؤلات لدي ... لماذا يسب الشيعة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابييه أبوبكر وعمر رضي الله عنهما ...!!
كانت بعض فتيات المدرسة يسمون السيدة عائشة بأم الذباب فسألتهم في مرة لماذا هذا الأسم .. قالوا لأنها حملت وتوحمت بالذباب؟؟؟ لماذا كل هذا الكذب والحقد؟؟ ولماذا يسمون عمر رضي الله عنه ب(أعمرو) وكانت لهم مناسبة لا أذكر اسمها يلعنون فيها عمر ويحرقونه...؟؟؟؟؟؟؟
ويقولون كذلك أنه ( عمر ) دفع الباب بقوة وكانت السيدة فاطمة خلفه فسقط جنينها؟؟!!
لماذا أريد أن أعرف .. كيف أصبحوا أصحاب الرسول لو أنهم بهذا السوء؟؟؟؟!!
كان الله ينزل الوحي على الرسول ويبين له المنافقين من قومه فلماذا لم يحذر الله النبي من صاحبيه؟؟؟!!
قد تكون هذه الأفكار غير كافية لتغيير ديني وكان من المفروض أن أبحث أكثر في التشيع قبل أن أتخذ أي قرار لكن ذلك لم يحدث أبداً ..!
بدأت أصلي صلاة غير التي علمتني أمي ( في رمضان فقط ) صلاة سنية وكنت أخفي ذلك عن أهلي فلا أصلي أمامهم ... وأخذت أقرأ بعض الكتب وأخبر عنها أختي التي تصغرني بعامين وكانت تشاركني نفس الأفكار والتساؤلات وسرعان ما تغيرت هي الأخرى حيث كانت لها صديقة سنية من عائلة متدينة وضحت لها بعض الأمور واعتمدت أنا على نفسي ..
عرف بعد ذلك والداي بموضوع الصلاة والتحول ... عارضوا قليلاً في البداية ثم سكتوا بعد أن فقدوا الأمل وصاروا يقولون أني تبرأت من أصلي .. هذا فقط ...الحمد لله كان لهم فضل في تحولي دون أن يشعروا ... ذلك بأنهم لم يدسوا تلك الخزعبلات في عقلي ..
لم يكن التشيع هو مشكلتي الأهم ولم يكن الظلام الذي كنت أعيشه .. وضحت لدي الرؤيا منذ سن صغيرة جدأ ولم أكن في يوم شيعية .. الظلام الذي كنت أعيشه كان ظلام آخر .. ظلام البعد عن الله أشد حلكة .. فرغم كل الكتب التي قرأتها ورغم الأشرطة التي سمعتها ورغم كل تلك الأشياء التي اقتنعت بها ... لم أصلي ولم أتحجب ولم أتدين ...أدرك حقيقة الأشياء وأعرف عاقبتها عند الله ولا أتبعها ... ما فائدة الإيمان دون العمل ... تخبط وفشل وضياع !!
حاولت محاولات عديدة وتحجبت لفترة ثم تركت الحجاب .... تعمدت بعد ذلك ترك الصلاة خوفاً من مواجهة نفسي ... وإن النفس لأمارة بالسوء إذا منذ أن امتنعت عن الصلاة وكنت أؤجل التوبة دائما بفضل وسوسة الشيطان ... لا .. لا يمكنك الالتزام الآن مع الوظيفة التي تعملين بها ..!!
الآن .. حدث لي بعد ذلك حدث صغير غير حياتي كلها ... كنت في تلك الأيام أفكر جدياً بالحجاب والالتزام مرة أخرى .. واستيقظت في ليلة على شعور غريب .. كنت أحس بوجود شخصين بقربي وبضيق في التنفس وتنميل في قدماي ...اعتقدت بأني أموت وهذه روحي تقبض ... خفت خوفا شديدا....ماذا لو كنت أموت فعلا؟؟؟؟؟؟؟ لم أرجع لله بعد ولم ألتزم ولم أحج .. ولم ... ولم ... هل سأقول ربي إرجعون؟؟؟؟
بكيت ومرت حياتي من أمام عيناي .... وندمت ... ثم زال عني ما كان بي فبكيت وبكيت وحمدت الله كثيراً .. مازال لدي الوقت .. لدي فرصة أخرى .. توضأت وصليت وقرأت القرآن حتى طلوع الفجر .. سارعت بعد ذلك بالحجاب واشتريت المزيد من الكتب والأشرطة وتغيرت جذرياً ..
أحمد الله حمداً كثيراً على السلامة وأسأله الثبات على الحق .. وبعد المزيد من القراءة والبحث رجعت ثانية لتساؤلاتي الأولى وقرأت عن الشيعة وعرفت أشياء لم أكن أتصورها في يوم من الأيام ولا أظن أن والداي يعلمانها أيضاً .. كل ذلك الكذب والتزوير ... عجبأً كيف يصدق الشيعة كل تلك الخرافات الأسطورية ... تيقنت بعد كل الأشياء التي قرأتها من صحة اختياري !!